فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله في جواب السؤال لأن قوله: {ففسقوا} يدافعه، فكأنك أظهرت شيئًا وأنت تدّعي إضمار خلافه.
قلنا: نعم يدعي إضمار خلافه ودل على ذلك نقيضه.
وقوله: ونظير أمر شاء في أن مفعوله استفاض فيه الحذف.
قلت: ليس نظيره لأن مفعول أمر لم يستفض فيه الحذف لدلالة ما بعده عليه، بل لا يكاد يستعمل مثل شاء محذوفًا مفعوله لدلالة ما بعده عليه، وأكثر استعماله مثبت المفعول لانتفاء الدلالة على حذفه.
قال تعالى: {قل إن الله لا يأمر بالفحشاء} {أمر أن لا تعبدوا إلا أيّاه} {أم تأمرهم أحلامهم بهذا} {قل أمر ربي بالقسط} {أنسجد لما تأمرنا} أي به ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة.
وقال الشاعر:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به

وقال أبو عبد الله الرازي: ولقائل أن يقول كما أن قوله أمرته فعصاني يدل على أن المأمور به شيء غير الفسق لأن الفسق عبارة عن الإتيان بضد المأمور به، فكونه فسقًا ينافي كونه مأمورًا به، أن كونه معصية ينافي كونها مأمورًا بها، فوجب أن يدل هذا اللفظ على أن المأمور به ليس بفسق.
هذا الكلام في غاية الظهور فلا أدري لم أصرّ صاحب الكشاف على قوله مع ظهور فساده فثبت أن الحق ما ذكروه، وهو أن المعنى أمرناهم بالأعمال الصالحة وهي الإيمان والطاعة والقوم خالفوا ذلك عنادًا وأقدموا على الفسق انتهى.
القول الثاني: أن معنى {أمرنا} كثرنا أي كثرنا {مترفيها} يقال: أمر الله القوم أي كثرهم حكاه أبو حاتم عن أبي زيد.
وقال الواحدي: العرب تقول: أمر القوم إذا كثروا وأمرهم الله إذا كثرهم انتهى.
وقال أبو علي الفارسي: الجيد في أمرنا أن يكون بمعنى كثرنا، واستدل أبو عبيدة على صحة هذه اللغة بما جاء في الحديث: «خير المال سكة مأبورة ومهرة مأمورة» أي كثيرة النسل، يقال: أمر الله المهرة أي كثر ولدها، ومن أنكر أمر الله القوم بمعنى كثرهم لم يلتفت إليه لثبوت ذلك لغة ويكون من باب ما لزم وعدّي بالحركة المختلفة، إذ يقال: أمر القوم كثروا وأمرهم الله كثرهم، وهو من باب المطاوعة أمرهم الله فأمروا كقولك شتر الله عينه فشترت، وجدع أنفه وثلم سنه فثلمت.
وقرأ الحسن ويحيى بن يعمر وعكرمة: {أمرنا} بكسر الميم، وحكاها النحاس وصاحب اللوامح عن ابن عباس، وردّ الفراء هذه القراءة لا يلتفت إليه إذ نقل أنها لغة كفتح الميم ومعناها كثرنا.
حكى أبو حاتم عن أبي زيد يقال: أمر الله ماله وأمره أي كثره بكسر الميم وفتحها.
وقرأ عليّ بن أبي طالب، وابن أبي إسحاق، وأبو رجاء، وعيسى بن عمر، وسلام، وعبد الله بن أبي يزيد، والكلبي: آمرنا بالمد وجاء كذلك عن ابن عباس، والحسن، وقتادة، وأبي العالية، وابن هرمز، وعاصم، وابن كثير، وأبي عمرو، ونافع، وهو اختيار يعقوب ومعناه كثرنا.
يقال أمر الله القوم وآمرهم فتعدى بالهمزة.
وقرأ ابن عباس وأبو عثمان النهدي والسدّي وزيد بن عليّ وأبو العالية: {أمرنا} بتشديد الميم وروي ذلك عن عليّ والحسن والباقر وعاصم وأبي عمر وعدي أمر بالتضعيف، والمعنى أيضًا كثرنا وقد يكون {أمرنا} بالتشديد بمعنى وليناهم وصيرناهم أمراء، واللازم من ذلك أمر فلان إذا صار أميرًا أي ولي الأمر.
وقال أبو عليّ الفارسي: لا وجه لكون {أمرنا} من الإمارة لأن رياستهم لا تكون إلاّ لواحد بعد واحد والإهلاك إنما يكون في مدة واحد منهم، وما قاله أبو عليّ لا يلزم لأنا لا نسلم أن الأمير هو الملك بل كونه ممن يأمر ويؤتمر به، والعرب تسمي أميرًا من يؤتمر به وإن لم يكن ملكًا.
ولئن سلمنا أنه أريد به الملك فلا يلزم ما قال لأن القرية إذا ملك عليها مترف ثم فسق ثم آخر ففسق ثم كذلك كثر الفساد وتوالى الكفر ونزل بهم على الآخر من ملوكهم، ورأيت في النوم أني قرأت وقرئ بحضرتي {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها} الآية بتشديد الميم.
فأقول في النوم: ما أفصح هذه القراءة، والقول الذي حق عليهم هو وعيد الله الذي قاله رسولهم.
وقيل: {القول} لأملان وهؤلاء في النار ولا أبالي.
والتدمير الإهلاك مع طمس الأثر وهدم البناء.
{وكم} في موضع نصب على المفعول بأهلكنا أي كثيرًا من القرون {أهلكنا ومن القرون} بيان لكم وتمييز له كما يميز العدد بالجنس، والقرون عاد وثمود وغيرهم ويعني بالإهلاك هنا الإهلاك بالعذاب، وفي ذلك تهديد ووعيد لمشركي مكة وقال: {من بعد نوح} ولم يقل من بعد آدم لأن نوحًا أول نبي بالغ قومه في تكذيبه، وقومه أول من حلت بهم العقوبة بالعظمى وهي الاستئصال بالطوفان.
وتقدّم القول في عمر القرن و{من} الأولى للتبيين والثانية لابتداء الغاية وتعلقا بأهلكنا لاختلاف معنييهما.
وقال الحوفي: {من بعد نوح} من الثانية بدل من الأولى انتهى. وهذا ليس بجيد.
وقال ابن عطية: هذه الباء يعني في {وكفى بربك} إنما تجيء في الأغلب في مدح أو ذم انتهى.
و{بذنوب عباده} تنبيه على أن الذنوب هي أسباب الهلكة، و{خبيرًا بصيرًا} لتنبيه على أنه عالم بها فيعاقب عليها ويتعلق بذنوب بخبيرًا أو ببصيرًا. وقال الحوفي: تتعلق بكفى انتهى، وهذا وهم. اهـ.

.قال أبو السعود:

{مَّنِ اهتدى فَإِنَّمَا يَهْتَدى لِنَفْسِهِ}
فذلكةٌ لما تقدم من بيان كونِ القرآن هاديًا لأقوم الطرائقِ ولزومِ الأعمال لأصحابها، أي من اهتدى بهدايته وعمِل بما في تضاعيفه من الأحكام وانتهى عما نهاه عنه فإنما تعود منفعةُ اهتدائِه إلى نفسه لا تتخطاه إلى غيره ممن لم يهتدِ {وَمَن ضَلَّ} عن الطريقة التي يهديه إليها {فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} أي فإنما وبالُ ضلاله عليها لا على من عداه ممّن يباشره حتى يمكن مفارقةُ العمل صاحبَه {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى} تأكيد للجملة الثانية، أي لا تحمل نفسٌ حاملةٌ للوزر وزرَ نفسٍ أخرى حتى يمكن تخلّصُ النفس الثانية عن وزرها ويختلَّ ما بين العامل وعملِه من التلازم، بل إنما تحمل كلٌّ منها وزرها، وهذا تحقيقٌ لمعنى قوله عز وجل: {وَكُلَّ إنسان ألزمناه طائره في عُنُقِهِ} وأما ما يدل عليه قوله تعالى: {مَّن يَشْفَعْ شفاعة حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شفاعة سَيّئَةً يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مَّنْهَا} وقوله تعالى: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القيامة وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} مِن حمْل الغير وانتفاعِه بحسنته وتضرره بسيئته فهو في الحقيقة انتفاعٌ بحسنة نفسِه وتضرّرٌ بسيئته فإن جزاءَ الحسنة والسيئة اللتين يعملهما العاملُ لازمٌ له.
وإنما الذي يصل إلى مَنْ يشفع جزاءُ شفاعته لا جزاءُ أصل الحسنة والسيئة، وكذلك جزاءُ الضلال مقصورٌ على الضالين، وما يحمله المُضلون إنما هو جزاءُ الإضلال لا جزاءُ الضلال، وإنما خُص التأكيدُ بالجملة الثانية قطعًا للأطماع الفارغةِ حيث كانوا يزعُمون أنهم إن لم يكونوا على الحق فالتبعةُ على أسلافهم الذين قلدوهم {وَمَا كُنَّا مُعَذّبِينَ} بيانٌ للعناية الربانية إثرَ بيان اختصاصِ آثارِ الهداية والضلال بأصحابها وعدم حِرمان المهتدي من ثمرات هدايته وعدمِ مؤاخذة النفس بجناية غيرها، أي وما صح وما استقام منا بل استحال في سنتنا المبنيةِ على الحِكَم البالغة أو ما كان في حكمنا الماضي وقضائِنا السابق أن نعذب أحدًا من أهل الضلال والأوزارِ اكتفاءً بقضية العقل {حتى نَبْعَثَ} إليهم {رَسُولًا} يهديهم إلى الحق ويردعهم عن الضلال ويقيم الحججَ ويمهد الشرائع حسبما في تضاعيف الكتاب المنزل عليه، والمرادُ بالعذاب المنفيّ إما عذابُ الاستئصال كما قاله الشيخ أبو منصور الماتريدي رحمه الله وهو المناسبُ لما بعده، أو الجنسُ الشامل للدنيوي والأخروي وهو من أفراده، وأيًا ما كان فالبعثُ غايةٌ لعدم صحة وقوعِه في وقته المقدر له لا لعدم وقوعِه مطلقًا، كيف لا والأخرويُّ لا يمكن وقوعُه عَقيبَ البعث، والدنيويُّ أيضًا لا يحصُل إلا بعد تحقق ما يوجبه من الفسق والعصيان، ألا يُرى إلى قوم نوحٍ كيف تأخر عنهم ما حل بهم زُهاءَ ألف سنة.
وقوله تعالى: {وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً}
بيان لكيفية وقوع التعذيب بعد البعثة التي جعلت غاية لعدم صحته وليس المراد بالإرادة تحققها بالفعل إذ لا يتخلف عنها المراد ولا الإرادة الأزلية المتعلقة لوقوع المراد في وقته المقدر له إذ لا يقارنه الجزاء الآتي بل دنو وقتها كما في قوله تعالى أتى أمر الله أي وإذا دنا وقت تعلق إرادتنا بإهلاك قرية بأن نعذب أهلها بما ذكرنا من عذاب الاستئصال الذي بينا أنه لا يصح منا قبل البعثة أو بنوع مما ذكرنا شأنه من مطلق العذاب أعني عذاب الاستئصال لما لهم من الظلم والمعاصي دنوا تقتضيه الحكمة من غير أن يكون له حد معين {أَمَرْنَا} بواسطة الرسول المبعوث إلى أهلها {مُتْرَفِيهَا} متنعميها وجباريها وملوكها خصهم بالذكر مع توجه الأمر إلى الكل لأنهم الأصول في الخطاب والباقي أتباع لهم ولأن توجه الأمر إليهم آكدو عدم التعرض للمأمور به إما الظهور أن المراد به الحق والخير لأن الله لا يأمر بالفحشاء لا سيما بعد ذكر هداية القرآن لما يهدي إليه وإما لأن المراد وجد منا الأمر كما يقال فلان يعطي ويمنع {فَفَسَقُواْ فِيهَا} أي خرجوا عن الطاعة وتمردوا {فَحَقَّ عَلَيْهَا القول} أي ثبت وتحقق موجبه بحلول العذاب إثر ما ظهر منهم من الفسق والطغيان {فَدَمَّرْنَاهَا} بتدمير أهلها {تَدْمِيرًا} لا يكتنه كنهه ولا يوصف هذا هو المناسب لما سبق وقيل الأمر مجاز عن الحمل على الفسق والتسبب له بأن صب عليهم ما أبطرهم وأفضى بهم إلى الفسوق وقيل هو بمعنى التكثير يقال أمرت الشيء فأمر أي كثرته فكثر وفي الحديث خير المال سكة مأبورة ومهرة مأمورة أي كثيرة النتاج ويهضده قراءة آمرنا وأمرنا من الإفعال والتفعيل وقد جعلتا من الإمارة أي جعلناهما أمراء وكل ذلك لا يساعده مقام الزجر عن الضلال والحث على الاهتداء فإن مؤدى ذلك أن طغيانهم منوطًا بإرادة الله سبحانه وإنعامه عليهم بنعم وافرة أبطرتهم وحملتهم على الفسق حملا حقيقًا بأن يعبر عنه بالامر به.
{وَكَمْ أَهْلَكْنَا} أي وكثيرًا ما أهلكنا {مّنَ القرون} بيانٌ لِكَم وتمييزٌ له، والقَرنُ مدةٌ من الزمان يُخترَم فيها القومُ وهي عشرون أو ثلاثون أو أربعون أو ثمانون أو مائة، وقد أيِّد ذلك بأنه عليه الصلاة والسلام دعا لرجل فقال: «عِشْ قرنًا» فعاش مائة سنةٍ أو مائة وعشرين {مِن بَعْدِ نُوحٍ} من بعد زمنه عليه الصلاة والسلام كعادٍ وثمودَ ومَنْ بعدهم ممن قُصّت أحوالُهم في القرآن العظيم ومَنْ لم تُقَصَّ، وعدمُ نظمِ قومه عليه الصلاة والسلام في تلك القرون المهلَكة لظهور أمرِهم، على أن ذكره عليه الصلاة والسلام رمزٌ إلى ذكرهم {وكفى بِرَبّكَ} أي كفى ربُّك {بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَا بَصِيرًا} يحيط بظواهرها وبواطنها فيعاقب عليها، وتقديمُ الخبير لتقدم متعلَّقِه من الاعتقادات والنيات التي هي مبادي الأعمالِ الظاهرةِ أو لعمومه حيث يتعلق بغير المُبصَرات أيضًا. وفيه إشارةٌ إلى أن البعثَ والأمر وما يتلوهما من فسقهم ليس لتحصيل العلمِ بما صدر عنهم من الذنوب فإن ذلك حاصلٌ قبل ذلك وإنما هو لقطع الأعذار وإلزامِ الحُجة من كل وجه. اهـ.

.قال الألوسي:

قوله تعالى: {مَّنِ اهتدى فَإِنَّمَا يَهْتَدى لِنَفْسِهِ} فذلك لما تقدم من كون القرآن هاديًا للتي هي أقوم وللزوم الأعمال لأصحابها أي من اهتدى بهدايته وعمل بما في تضاعيفه من الأحكام وانتهى عما نهاه عنه فإنما تعود منفعة الاهتداء به إلى نفسه لا تتخطاه إلى غيره ممن لم يهتد {وَمَن ضَلَّ} عما يهتديه إليه {فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} أي فإنما وبال ضلاله عليها لا على من لم يباشره حتى يمكن مفارقة العمل صاحبه {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى} تأكيد للجملة الثانية أي لا تحمل نفس حاملة للوزر وزر نفس أخرى حتى يمكن تخلص النفس الثانية عن وزرها ويختل ما بين العامل وعمله من التلازم، وخص التأكيد بالجملة الثانية قطعًا للأطماع الفارغة حيث كانوا يزعمون أنهم إن لم يكونوا على الحق فالتبعة على أسلافهم الذين قلدوهم.
وروى عن ابن عباس أنها نزلت في الوليد بن المغيرة لما قال: افكروا بمحد صلى الله عليه وسلم وعلى أوزاركم، ولا ينافي هذه الآية ما يدل عليه قوله تعالى: {مَّن يَشْفَعْ شفاعة حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شفاعة سَيّئَةً يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مَّنْهَا} [النساء: 85] وقوله تعالى: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القيامة وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [النحل: 25] من حمل الغير وزر الغير وانتفاعه بحسنته وتضرره بسيئته لأنه في الحقيقة انتفاع بحسنة نفسه وتضرر بسيئته فإن جزاء الحسنة والسيئة اللتين يعملهما العامل لازم له وإنما يصل إلى من يشفع جزاء شفاعته لا جزاء أصل الحسنة واليئة وكذلك جزاء الضلال مقصور على الضالين ومايحمله المضلون إنما هو جزاء الإضلال لا جزاء الضلال قاله شيخ الإسلام، ولهذه الآية طعنت عائشة رضي الله تعالى عنها في صحة خبر ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن صلى الله عليه وسلم قال: «إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه» فإن فيه أخذ الإنسان بجرم غيره وهو خلاف ما نطقت به الآية.
وأجيب بأن الحديث محمول على ما إذا أوصى الميت بذلك فيكون ذلك التعذيب من قبيل جزاء الإضلال، وقيل: المراد بالميت المحتضر مجازًا وبالتعذيب التعذيب في الدنيا أي أن المحتضر يتأمل ببكاء أهله عليه فلا ينبغي أن يبكوا، ولهذا أيضًا منع جماعة من قدماء الفقهاء صرف الدية على العاقلة لمافيه من مؤاخذة الإنسان بفعل غيره، وأجيب بأن ذلك تكليف واقع على سبيل الابتداء وإلا فالمخطىء نفسه ليس بمؤاخذ على ذلك الفعل فكيف يؤاخذ غيره عليه، واستدل بها الجبائي على أن أطفال المشركين لا يعذبون وإلا كانوا مؤاخذين بذنب آبائهم وهو خلاف ظاهر الآية، وزعم بعضهم أنها نزلت فيهم وليس بصحيح، نعم أخرج ابن عبد البر في التمهيد بسند ضعيف عن عائشة قالت: «سألت خديجة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين فقال: هم من آبائهم ثم سألته بعد ذلك فقال: الله تعالى أعلم بما كانوا عاملين ثم سألته بعدما استحكم الإسلام فنزلت ولا تزر وازرة وزر أخرى فقال: هم على الفطرة أو قال في الجنة».
والمسألة خلافية وفيها مذاهب فقال الأكثرون: هم في النار تبعًا لآبائهم واستدل لذلك بما أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن عائشة أيضًا قالت: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ولدان المسلمين أين هم؟ قال: «في الجنة وسألته عن ولدان المشركين أين هم؟ قال في النار قلت: يا رسول الله لم يدركوا الأعمال ولم تجر عليهم الأقلام قال: وربك أعلم بما كانوا عاملين والذي نفسي بيده إن شئت أسمعتك تضاغيهم في النار» وفيه أن هذا الخبر قد ضعفه ابن عبد البر فلا يحتج به، نعم صح أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن أولاد المشركين يقال: الله تعالى أعلم بما كانوا عاملين وليس فيه تصريح بأنهم في النار وحقيقة لفظه الله تعالى أعلم بما كانوا عاملين لو بلغوا ولم يبلغوا والتكليف لا يكون إلا بالبلوغ.